يقول بيكاسو: “ الصراع الإسباني هو حرب كردة فعل ضد الشعب والحرية. حياتي كفنان لم تكنن إلا صراع لا متناهي ضد ردة الفعل هذه وموت الفن. كيف يستطيع أحد ولو للحظة أن يقول عني أنني أدعم ردة الفعل والموت؟ ففي هذه اللوحة التي اعمل فيها والتي سأطلق عليها اسم الجورنيكا وفي كل الأعمال التي ستليها، أنا أعبر وبكل وضوح عن مقتي واشمئزازي من الفرق العسكرية التي أغرقت اسبانيا في بحر الآلام والموت “.
عندما تتنازع الحروف وتسقط رموز الكلمات، يتجه المرء إلى شاطئ في مخيلته يرسي فيه أحزانه، كما لو أن الشحنات الكهرومعنوية ( لو جاز التعبير ) تأخذ انطباعاً آخر وتنشئ علاقةً هرمونية بين الفرد ومخيلته من جانب وبين المعايير التي تبناها الفرد مذ كان صغيرا ً من جانب آخر. معايير تتفاقم مع مرور الزمن لتصبح مخزوناً فكرياً يتجلى في نقد الفكر للواقع.
هذه المعايير أو المخزونات الفكرية ماتلبث أن تسبب اضمحلالاً في مقدرة الفرد على استقبال الواقع بحرية اذ أنه كلما واجه المرء منظومة فكرية جديدة، تنمي به الأفكار لتتلاشى وتتصادم مع مخزونه الفكري الذي هو من أجله يحيا هذا المرء.
في السادس والعشرين من نيسان من عام 1937 ، أباحت مأساة انسانية لأقلام بيكاسو التعرق. لوحة جدارية اضخم من مخيلة المتلقي ذاتها. عمل فنيّ قدّر له أن يوضع بقائمة أفضل الأعمال في القرن العشرين. عمل اذا ما نظر إليه انسان، يتراءى له أنه اختزل مشاعره كبيرها لكن سرعان ما تتفكك مخيلته وتفيض بتحليلات مجازية.
كم هو عميق هو هذا الإحساس الذي استطاع أن يجسد الدموع في طابع ثوري. فبلدة الجورنيكا ما كانت لتخاطب أهلها بدوي الأصوات الانفجارية التي ألحقتها الحرب الأهلية في اسبانيا. ضحيّة بكل ما حوت الكلمة من منظومات فكرية. وكم هي وحشية الرصاص والمدافع لتذيب معاني الكلمات في فم الفنان.
في مثل هذا اليوم ولد الأديب شكسبير، وفي مثل هذا اليوم توفقت احدى حفلات الرولنغ ستونز عن صخب الجيتارات بعد مرور خمسة عشرة دقيقة عن بدئها، وأيضاً في مثل هذا اليوم، ولسخرية التاريخ، سحبت دولة عربية آخر أربعة عشرة ألف مقاتل لها من دولة عربية شقيقة لتنهي تسعةً وعشرين عاماً من سيطرة الأخ الشرقي على أخته الحزينة.
يقول المفكر الأمريكي هنري ديفيد ثورو: ” أنا على يقين أنه من المحتم وكجزء من قدر الجنس البشري في تطوره التدريجي، أنه سيأتي يوم عليه لا يتناول به لحوم الحيوانات كما توقفت تلك القبائل المتوحشة عن أكل بعضها البعض عندما اتصلت بالأمم الأكثر تحضراً منها “.
هل تتنازع هنا معاني الكلمات لتحدث ضجيجاً بين الفرد ومخزونه الفكري أم هي تتنازع بين المخزون الفكري ذاته وبين ارتقاء الفكر عن المفكر؟ يتساءل أحدهم.
فإذا كان المفكر ثورو وقد تنحّى جانباً في مجازيته التعبيرية وأتى لنا بنظرية قلما تخاطبنا كأفراد، هل كنا حقاً سنفكر ولو في الخيال أن نتعلم شيئاً جديداً من هذه الحيوانات التي تتوج موائدنا… ؟
فمن أوراق الصحف أحاك بيكاسو الجورنيكا. لم يشأ أن تتلاشى الحقيقة من غير أن يستقرأها قارئ. أخذ يداعب الصحف كما لو أنها ارث ٌ تاريخي على أمل أنه إذا تجاهلت الأمم قراءة الحقائق اليومية، سترتقي بهم وجهات النظر في قراءة لوحة تاريخية، كما لو أ نها مقالة تتحدث عن صرخة حصان سقط في بئر أو عن ثور خرافي لم يُعرف لقرنيه ند.
فعندما سئل بيكاسو عن لوحة الجورنيكا وبالخصوص عن رمزية الثور والحصان كونهما أهم عنصرين في اللوحة أجاب: ” الثور هو الثور والحصان هو الحصان، قد يصيب أحدكم في اعطاء معان للرموز المتناثرة في أعمالي وقد تكون معطياته صحيحة، لكن ليس من شأني أنا أن أعطي هذه التحليلات فأي نتيجة يخرج بها أحدكم هي موجودة في الأصل في عقلي وبطابع غريزي من اللاوعي. أنا أصنع اللوحة للوحة فقط وأضع الرموز لما تمثل هذه الرموز فقط “.
فمن المعروف عن بيكاسو أنه كان يستقرأ الأحداث السياسية عن كثب، وكانت له انشطاراته الفكرية التي تجلت في الكثير من أعماله، فقبل أن يبدأ برسم الجورنيكا، كانت قد أوكلت له مهمة صناعة عمل جداري لتعرض في المعرض العالمي في باريس وكان بيكاسو في بادئ الأمر يبحث عن شرارة يشعل بها مخيلته حتى جاءت مأساة الجورنيكا. وكانت شاطئ الإلهام التراجيدي الذي أخذ بأقلام بيكاسو تدغدغ اللوحة الجدارية العملاقة التي نشرت مقتل أكثر من ألف ومائتي إنسان ضحية انشقاق الفكر الهمجي بين الأخ وأخيه.
في العمل الفني، كما هو الحال في العمل الأدبي، ينفرد المتلقي في عدة قراءات، فمنها ما تكون قراءة استنساخية للعمل، إذ لا يبتعد المتلقي أكثر من المشاهد البصرية التي تظهرها اللوحة وقلما تكون هذه القراءة مثمرة فكرياً أما النوع الثاني من التلقي هو القراءة الاستنطاقية للعمل الفني، وبهذه القراءة يتجلى المتلقي ليصبح متذوقاً فيذهب أبعد من الاستنساخ ليحلل هذه المشاهد البصرية ويفككها ومن ثم يعاود تركيبها بطريقته الخاصة، لكن لا يبتعد أكثر من ذلك في التأويل البصري وإذا ذهب أبعد من هذه وأخذ يجادل العمل ذاته، سميت هذه بالقراءة التشخيصية وبها يرتقي المتذوق ليناقش واللوحة فكر الفنان ذاته وأبعاد الرموز في اللوحة. فيستقرأ كلّ عنصر على حده ويفكك ويركب، ويضيف ويلغي حتى يخرج بتشخيص عميق للمنظومة الفكرية التي أتى بها الفنان.
في ما يقارب السبعة أمتار عرضاً وثلاثة أمتار ونصف المتر طولاً، رقصت أقلام بيكاسو وأرّخ العالم آثار أقدامها التي مابرحت تشكك في ألوان المأساة إلى أن تبخرت كلّ الألوان وما تبقى منها إلا الأبيض والأسود وما بينهما من ألوان، وكأن بيكاسو قد أراد أن يجسد هذه الدموع التي لا لون لها ولا بعد ثالث. فما كان لبيكاسو إلا أن ينحّي الأخضر والأحمر والأزرق جانباً ويتبنّى سيد الألوان وقائدها الذي لا انحدار في درجاته إلا وأن تنطفئ أمامه. فأي لون يجسّد الظلم كاللون الأسود وأي مفارقات في الحياة أكثر من مفارقة الأسود إلى الأبيض.
يقال أن الإنسان عندما يحلم، لا يرى ألواناً حتى لو كان الحلم كلّه ورود. هل هذه حقاً علامة ارتقى بها بيكاسو ليجسد مخيلته النرجسية أم أنها انعكاسات شتّتتها مرآة الحقيقة في عين فنان؟.
فبكلا الحالتين، أراد بيكاسو أن يوقظ جشع الألوان في تهميش الواقع الذي ما انفكّ يدور في فلك اللوحة الجدارية التي إذا ما أبصر المرء عناصرها، أخذت تداعب بصيرته في كمّ الرموز العادية من أقصى شمال شرق العمل وحتى جنوب غربه.
في العلوم الإجتماعية، تستنطق البحوث عن مدى تعلق المرء في المعالم الفنية من حوله ونأخذ الدراسات الطابع المنهجي في أغلب الأوقات كي تتمكن من فرض الحلول المناسبة لوضع حد من النتائج السلبية.
فيتسائل أحدهم عن سبب تأخر الكثير من المجتمعات النامية من مواكبة التطورات الفنية أو حتى من قلة الذوق الفني الذي هو ركيزة التقييم الحضاري في المجتمعات. هل هو فشل شخص أم أشخاص؟ أم هو فشل مسؤول عنه المجتمع بكل فئاته؟ أم هو نتيجة بذور دينية، ثقافية، اجتماعية، اقتصادية كانت أم سياسية أتت بنصوص واحدة فُرضت عل أفراد هذا المجتمع بصندوق زيّنته بدستور ثقافة القطيع؟
فإذا ما دخل المتذوق في غرفة اللوحة المفككة العناصر، والمشتتة الرموز، تحولت عنده النظرة الأولى إلى اندهاش من مشهد درامي وكأن بيكاسو لم يبيح النظرة الأولى للمتلقي.
فبكل نظرة ينفقها المتلقي على اللوحة، أخذت تتشكل عنده صورة لغرفة مظلمة ومغلقة اليمين ومفتوحة اليسار، مضاءة بمصباح يكاد أن يضفي على ذاته كمًّ قليلاً من الضوء وما تبقى منه يصنع هرماً ضوئياً كأنه العين التي تنير على المتلقي حقيقة الواقع ال1ي مرّت به اللوحة قبل أن تتبلور في عيني الفنان ذاته. وكأن هذه العين (عين اللوحة) تمثل السلطة الرابعة (الاعلام) التي لا تعلو عليها حقيقة. ويمكن أيضاً أن يأخذ الخيال المتلقي إلى أبعد من هذا ويمثل الضوء على أنه الإنارة القذرة الخافتة التي تنير غرفة التعذيب على أيدي من يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة.
فاي متذوق تجول في مخيلته مداعبة الخيال الأسود الذي يتأرجح في زاوية اللوحة السوداء. هل حقاً أراد بيكاسو أن ينفرد في مخيلته من غير أن يدع الروابط الرمزية تأخذ انطباعاً ثورياً أم هو كان على يقين أن الثور ذي العيون الكبيرة أجلّ من أن يقرأ على أكثر من معنى؟
فالثور في التاريخ الإسباني يدل على أكثر من معنى، فقد يدل على أكثر من هذه، فهنا قد أراد بيكاسو أن يعبر عن الشعب الإسباني وكأنه أجاز للثور أن ينتحل شخصية كلّ فرد في بلدة الجورنيكا ويتمثل هذا أيضاً عندما يأخذ المتذوق بعداً آخر من التلقي، وخصوصاً عندما تضيق عليه اللوحة ويبتعد بضعة أمتار إلى الوراء، فيجد نفسه تائه في الرموز المتلعثمة التي ماتلبث أن تنجلي وتبحث عن شاطئ لها في مخيلة المتلقي.
حصان جامع يتجه بكل قوة ومندفعاً نحو الثور الصامد الذي بظله تحتمي الإمرأة الباكية. حصان إذا ما نظر إليه قلب حنون، أخذ يبكي عليه حتى ولو كان على دراية كاملة أن الحصان إذ يعبر عن الجيش والجبروت القوي. إذ أن هذا الحصان يندفع وكأنه يطلب يد المساعدة من الثور الذي بدوره يمثل هذا الحصان. فعندما نذهب بعيداً في عمق جسد الحصان، نعرف ما أثكل هذا الحصان، رمح يخترقه حتى يخرج من الجهة ذاتها وكأن بيكاسو قد أراد أن يوحي لنا أن هذا الحصان إذ يمثل، فهو يمثل دور الثور في التقليد الإسباني عندما يغرز الرمح في جسده دليلاً على انتهاء السباق الدموي.
لكن نعود لنقرأ دور الثور الذي ما عاد يمثل ظاهرية التقليد الإسباني، فهو ما يزال ثابت وكأنه لم يتأثر بشيء من هذه المأساة. إذ ما كان ليعبر عن مأساة شعب إن لم يكن يظلل مأساة أخرى داخل اللوحة “المرأة الناحبة” فهذه الإمرأة التي لا لون لها ولا بعد، ترفع برأسها للسماء وتبكي على فقدان طفلها الصغير الذي ابتلعته نيران الحرب وكأن بيكاسو أراد أن يظهر لنا مدى بشاعة هذه المنظومة الفكرية التي يتبناها أفراد لا تحرك الدماء بهم ساكن، فهذه الإمرأة -حتى ولو كان ابنها قد أصبح في عداد الشهداء- ما انفكت تنحب بتضرّع للسماء.
ماذا يفعل الثور المشتعل الذيل في زاوية اللوحة العملاقة؟ سؤال تطرحه عناصر اللوحة السوداء. فكل رمز في اللوحة يحمل بيده قضية، فما قضية هذا الثور وماذا يحمل في جعبته من معان؟
قد يتراءى للمتلقي أن يضع الثور في مكانة أب لذلك الطفل الميت، فهو إذ ما قورن ببقية عناصر اللوحة، أخذ انطباعاً رمزياً ينتحل شخصية رجل أفاق على موت ابنه ودموع زوجته فأخذ كبريائه يتحدث عوضاً عنه، فبالرغم من فيض الدموع التي تجفّ قبل أن تخرج، يقف هذا الأب وقفة الثور الذي لم يعرف لقرنيه ندّ.
في أعماله التراجيدية، يحاول بيكاسو دائماً إظهار التناقضات البصرية كي يدخل المتلقي في صراع الأضداد بين ما تبناه من عواطف ثقافية من جهة وبين انفعالات اللوحة من جهة أخرى، فبالنظر إلى يمين اللوحة الجدارية يجد أنه أراد ادخال عناصر ثانوية إن لم تتناقض فهي تختلف بصرياً عن المحتى الفكري في اللوحة، فالإمرأة التي اخترقت حاجز الصمت في اللوحة، نجدها تطير خائفة ومستنكرة الوقائع فهي دخيل على اللوحة أو أنها لم تكن في الأصل في المأساة نفسها وكأنها أحد سكان بلدة الجورنيكا اللذين كانوا خارج البلدة وأتو بعد المأساة السوداء. فهي تحمل بيدها سراج يضيء لها الحقيقة التي حصلت، وتظهر ردة فعلها الصامتة في تعابير وجهها الهائمة والباردة. وتأكيداً على هذا وجود ضوءان في الغرفة ذاتها، إذ أنه لماذا تريد هذه الإمرأة السراج ضوءاً وهناك المصباح الذي هو الإنارة الرئيسية في الغرفة. فهنا تجلت قدرة بيكاسو على اظهار زمنين في اللوحة، زمن المأساة من جهة وزمن ما بعد المأساة من جهة أخرى.
فبالعودة لزمن المأساة وبالنظر إلى يمين اللوحة، أسفل الإمرأة الدخيلة، نجد إمرأة أخرى بخطوات غير ثابتة وهي تترنح متجهة إلى منتصف المثلث الضوئي وتنظر مباشرة إل المصباح المعلق بوجه شاحب يعتليه الدهشة الصامتة التي لا تبيح للمتلقي إلا أن بصمت وتبكي بصرته. وتتساءل هذه الإمرأة في تعجب عن من تكون وكأنها قد فقدت ذاكرتها وأصبح كل شيء جديد في اللوحة، فأول ما ببصره فاقد الذاكرة عندما يفيق من جديد هو الضوء ومن ثم تدخل الصور وهول المأساة لتتمركز في عقله حتى تبقيه من هشاً يتسائل كما حصل في غياب ذاكرته.
وفي سياق البحث عن عناصر اخرى في اللوحة، تلتقط عين المتلقي دهشة أخرى. رجل يحترق من فرق أسفل وينظر إلى السماء المعلقة وكأنه يبكي تضرعاً عمّا أصابه من حروق الحرب. أراد بيكاسو أن يظهره على أنه ضحيّةً ثانوية الرمزية ولكي يخلق توازن عاطفي داخل اللوحة. فإذا قسمت اللوحة إلى أربع أقسام، نجدها تبدأ بالرجل المحترق ومن ثم بالإمرأتين الصامتتين، ثم تدخل في دوامة ا لمأساة ومركزية اللوحة فتظهر لنا مدى بشاعة الأمر الذي تجلّى في الحصان والجندي الممزق ليذهب لأقصى يسار اللوحة حينما يقف الثور ذو العينين الكبيرتين يرقص بكاءً فوق إمرأة تبكي نحيباً على موت ابنها الرضيع.
لكن ماذا ينفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ فإذا ما ابتعد المتلقي بضعة أمتار أخرى وجد نفسه تائه من شدة الكلمات التي تبيحها اللوحة، اشلاء إنسان منثورة من أقصى يسار اللوحة وحتى منتصفها. رأس جنديّ اثكلته حنى الحرب واسقطت كل رموزه ضحية لموروثات فكرية أتت بها منظومة القطيع السياسية.
ولعل المتلقي يتسائل عن ماهية الوحشية التي تبيح للفنان أن يتفاعل مع عمله الفني وكأنه ناتج حسي لا بصري. فإذا أخذت اللوحة لشاعر وطلب منه أن يترجمها إلى كلمات، سيقف مذهولاً لبرهة من الوقت حتى يتمكن أن يستجمع قواه وتستجمع قواه عناصر الجندي المبعثرة التي يحمل كل عنصر فيها لوحةً فنية في قصيدة.
فيد الجندي اليمين التي تبعد مسافة يد أخرى عن رأسه الشاحب الأبيض لا تقل أهميةً عن باقي العناصر، لا بل تكاد أن تكون واحدةً من أهم عناصر اللوحة. فمن رحم الثورة تخرج الحرية.. ومن لون الدماء تنثر ألوان الأمل.
يقول لينين: “لا تستطيع أن تصنع ثورة بأكف بيضاء”
وهذا ما أراده بيكاسو أن يظهر لنا في يد الجندي المبتورة الملقية على جانبه، رمزان يلخصان اللوحة في جملة بسيطة وعميقة.. سيف مكسور حطمته أقدام الحرب ومن أحشائه تخرج زهرة الربيع لتضيء الأمل من جديد.
جسّد لنا بيكاسو همجية الواقع وسخرية الكر وبعمله هذا، أدخل بلدة الجورنيكا التاريخ وأدخل معها إرثاً تاريخياً مصوّر بلوحة جدارية أخذت تكبر وتكبر حتى أصبحت مرجعاً فكرياً يهتدي به كل من يظنون أنهم يمتلكون الحقيقة علّ وعسى أن ترتقي بهم هذه المنظومة الفنية الهادفة في يوم من الأيام وتأخذ بيدهم لعالم يسوده السلام والمحبة.
وبهذا تكون الجورنيكا قد رقصت وزغردت رموزها دموع أمطرت وعرّت حقيقة المأساة التي بذاتها رقصت على دماء الأبرياء…
يقول جرالد ماساي: “حقاً سيعرفون مدى صعوبة الحياة، أولاءك الذين تبنّوا السلطة على أنها الحقيقة وأنكروا الحقيقة على أنها السلطة المطلقة”.