Skip to main content
Writings

مسكينة أمي.. فقد أجلت غسيل الفناجين للمساء

By January 15, 2003April 5th, 2017No Comments

عفوك سيدي… أهلاً و سهلاً

مضى كثير و لم أدوّن لك مذكراتي

مضى كثير و لم أبعث لك رسالة

مضى كثير و لم نقرأ لك يومياتنا…

و كيف أفاقت أمي في الصباح

و كيف أعدت القهوة

و كيف أيقظت أبي

و شربوا القهوة

و حرقوا السجائر الرخيصة

و كيف ضحكت أمي

عندما ضحك أبي

و كيف استيقظت أختي

على ضحك أمي و أبي

و تناولت وجبة الإفطار

و شربت الشاي

و لبست و انتعلت حذائها القديم

و كيف استودعتها أمي

و ركبت الحافلة العامة

و ضحكت مع صديقاتها

و كيف بكت في حصة التاريخ

و كيف و كيف و كيف

مضى كثير و لم نقرأ انجيلك

و كيف آمن أبي

و استنكر كل المذاهب الفلسفية

و أدار الرائي على محطات شرقية

و أخذ يضحك من كثرة الأخبار

و المحطات الإخبارية

وكيف ذهبت أمي إلى المطبخ

و أعدت الإفطار للجميع

و بكت على ماض

و بكت على حاضرو قرأت بعضاًمن حقوقها

و كيف أفقت أنا

و أعدت لي القهوة

و تذمرت و استنكرت

كل الصحف و المجلات

مضى كثير ولم نمجدك

هل تبذكر… أم أذكرك

كيف سكبت القهوة على الفراش

و كيف صرخت أمي باكيةً

من كثرة العمل و جلي الصحون

و عندما تأتي الظهيرة…

و تعود أختي بنفس الحافلة الفقيرة

تحدثنا عن فلسطين

و عن استشهاد مئةً من العامة

و قتل الكثير من المجرمين

و عن صديقتها المصابة بالسرطان

و أخرى تبكي على وفاة أبيها

نبكي لبرهة و نضحك بقية الظهيرة

الطعام جاهز صاحت أمي

و تستنفر العائلة…

واحد بجلب الصحون…

و أخرى بكسر أحد الصحون…

و تعم الفوضى لدقائق…

حتى نمسك بأيدي بعضنا البعض…
و نصلي…

أبانا الذي في السموات…

ليتقدس اسمك… و ليأتي ملكوتك

لتكن مشيئتك … آمين

و يمضي دقائق قليلة…

حتى تفرغ الصحون…

و يتذمر البعض من نفاذ الخبز

و انتهاء فترة الطعام

و نعود و نضحك سويةً…

من وفرة النقود في جيوب الأصدقاء

ومن شحها في صندوقنا المخفي

فلسطين…

كلمة عابرة تأتي من الجذور

أختي الصغيرة أباحت بها…

و قالت أن قصيدة تتحدث عن فلسطين

و تسأل أبي…

أحقاً فلسطين عربية…

يدمع أبي… و يبكي

على سبع و عشرين عاماً من الإنسانية

و تحدثنا عن فلسطين… و يقول

أنا فلسطين…

أمي فلسطين…

أختي و أخي و أبي فلسطين…

و يصمت قليلاً…

و يطلب من أمي بعضاً من الخمر

ترفض أمي…

و تذكره بفيض من الأمراض

يتوتر أبي… و يصر على الخمرة…

و في نهاية الجدال…

كلنا نشرب الخمرة…

و نعود فلسطين…

أبنائي الأعزاء…

كانت فلسطين…

اليوم فلسطين…

و غداً فلسطين…

سيدي…

حان وقت قيلولة الظهيرة

كلّ يتوجه إلى سريرته

و الكل مجتمع في الغرفة ذاتها

ليس حباً في الغرفة ذاتها

بل لعدم وجود غرفةً أخرى

شخير أبي يوقظ أمي

و تعود أمي إلى المطبخ…

تبحث عن عمل تقتل وقتها

و أختي الصغيرة مانفكت تفكر بفلسطين …

أحقاً فلسطين عربية …

هدوء و شخير … هدوء وشخير ..

أفكر قليلاً و أقول …

هل أنت نائم أبي …

اسمع شخير يقول …

تكلم … وقل ماذا تريد …

أريد أن أحدثك عن ماضيك …

فيعود الشخير …

وتعود أختي الصغيرة تفكر …

وأمي تعمل في المطبخ …

وتنقضي ساعة الظهيرة ..

لم ينم أبي يفكر بماضيه ..

لم تنم أختي تفكر بفلسطين …

و لم أنم أنا … اسمع الشخير ..

ساعة أخرى تنقضي …

و تأتي أمي بالقهوة الساخنة …

ويكتشف أبي أنها ليست طازجة …

وتعم الفوضى لدقائق …

حتى يقتنع أبي أن القهوة طازجة …

و يبدأ يحدثنا عن الإحتلال في الجولان …

و عن موت آلاف من الأطفال

تحت مجزرات الإحتلال

لكننا لا نكترث كثيراً …

و تعود أختي مصممة على فلسطين

ما الفرق بين الجولان وفلسطين ..؟؟؟…

يغلق أبي النقاش …

و يأمر الجميع بالعودة للكتب المدرسية …

و بقراءة التاريخ ..

و الأساطير و الخرافات …

ليجلس و أمي يحسبون الديون …

عشرون ديناراً ماء و كهرباء

خمسون ديناراً بقالة و غذاء

و الجمعية القديمة

زيت بخمسة عشر دينار

آجار بيت بسبعين دينار

و طارق …

و خالد …و دكان الخضار …

لا يكتمل الحديث من كثرة الديون

و قلة الدخل اللعين …

لكن … الحمدالله …

الساعة السابعة …

و أبي و امي في المطبخ

و أم كلثوم في المذياع ..

“ما تصبرنيش … ما خلاص ..”

و دفعة أخرى من القهوة الساخنة

جدال عنيف عن جودتها

وعن نسبة الأسود إلى الأشقر …

و تعود أم كلثوم تسيطر على الآذان

و يفكر أبي من جديد …

هل حقاً فلسطين عربية …

حان وقت الزوّار …

يطرق الباب .. و ها هي أم خلدون

و سبعة من أطفالها ..

” حماتي تحبني “

القهوة مازالت ساخنة

وتنهار الاسئلة ذاتها ..

” كيف الشباب  وكيف الصبايا ؟ “

و كيف نفذ الخبز عند الغذاء ؟؟؟

طلقها زوجها …

ومنيرة اشترت ثوباً جديداً …

يقولون أنه من البا لة …

لا يكترث أبي … و ينقض عليها بالأهانة …

تبكي أم خلدون من شدة الكلمات

و قساوة الدهر … وقلة الخبرة و الثقافة …

حتى يصمت أبي … و يصمت الجميع …

و تتابع أم كلثوم .. ” أنا فاض بيّ ومليت “

نقاش عنيف من الغرفة المجاورة

عن القيم و المبادئ …

و عن عشر سنين من العناء …

أختي ستنكر الكتب المدرسية

و المنهاج المدرسي

و تلفت انتباهي لصورة غبية …

تحدث عن المحبة … و الصداقة الغريبة …

و عن كيفية الزواج

وتتسائل …

“لماذا فلسطين عربية .؟؟؟.”

يرن جرس الهاتف النقال …

صديقي يناديني …

“هيا بنا نصنع معجزة “…

لكن لا أكترث …

فلا معجزات من الاصدقاء …

سيدي …

تعودت أن أكتب لك قصيدة كل صباح …

لكني تقاعست اليوم …

فعذراً …

و إن كانت غبية …

يعود أبي لغرفة الجلوس …

فيلم وثائقي عن الشيوعية …

يبصق على التلفاز …

و تحوّل نظره لقناة إخبارية

استشهاد سيدة في عملية انتحارية

تفجير حافلة يهودية

و مقتل ابنها الوحيد

مئة من الجرحى

و مئة من المصوريين …

حركة نشاط تحتضن الحادثة ..

لكنه ام يقتنع بقتل النفس

او معنى الشهادة …

فيحول نظره مرة أخرى

لقناة أفلام …

عيارات نارية

و بندقية بألف رصاصة

ممثل لا يموت

و آخر يخنقها …

و يشاء القدر بأن تنطفئ الأضواء …

تستنفر العائلة

و تنهال الشتائم على شركة الكهرباء …

مسكينة أمي …

فقد أجلت غسيل الفناجين للمساء …

عام يمضي …

و أمي مازالت تنتظرالسماء كي تبكي …

زهور و أقاحي

عوسج و زيوان …

الفناجين كما هي …

عبقة برائحة البن الرخيص …

أم كلثوم لم تمت …

و المسلسلات التاريخية ذاتها … لم تمت …

لكننا كبرنا …

و هرمت أحلامنا …

أختي الصغيرة غضدت النظر عن فلسطين

و إن كانت عربية …

هل أكترث ..؟.. هل نكترث ..؟..

اختلفت الشعارات … و المبادئ …

و الليل ما عاد ينجلي …

السماء لم تمطر …

أبي لم يعد يشخرعند المساء …

دمىً غبية تحكم أمالنا …

القدر قد زار منزلنا …

لكننا كنا زمازلنا

نفيق كل صباح

على ضحك أمي و أبي …

و على صوت فيروز في المذياع …

nedaa.elias[at]gmail.com