Skip to main content
Writings

كبّري حذائك

By April 2, 2013April 5th, 2017No Comments

استوقفتني مداعبة كلامية نتجت عن محادثة طريفة حول فن الاستماع وكيف يستطيع المرء أن يصبح  مستمعاً جيداً. إذ أنه من إحدى طرق الإستماع البناء والنصائح الفعالة هو أن يكون المرء قادراً أن يضع نفسه مكان الشخص المتكلم أثناء الاستماع اليه . وهذا قد يكون سببا ليساعد المستمع في أن يتفهم عدة مواقف من جهة المتكلم أثناء الحديث. لكن الطريف لم يكن محتوى هذا الفن ” أي فن الاستماع” بل كان المعنى الإنجليزي لهذه النصيحه. ففي اللغة العربية نقول “ضع نفسك مكاني” أما في اللغة الإنجليزية فيقولون “ضع نفسك في حذائي”. وللأمانة الأدبية فأن كلتا العبارتين لا تتحملان أكثر من المعنى المذكور.

“بلا طول سيرة” بعثت لي في هذا الخصوص إحداهن تسألني فيما إذا ما كانت نمرة حذائها صغيرة، بحيث لا تتسع لشخص أخر ، أو حتى لقدم شخص اَخر فماذا تفعل؟ كنت ساذجا بعض الشيئوأجبتها أنه بهذا لن يستمع لها أحداً أو أن كل ما عليها هو أن ” تكبر حذائها” .

المضحك في الجواب ليس الجواب ذاته بل هي تلك الصورة الفنية في  اللفظ إذ أن اللفظ قد أصبح في أيامنا هذه فن قائم بحد ذاته يستخدمه الناس للتعبير عن دلالات أخرى أو للتسويق لبضائع معينة أو للمتعة اللفظية كمن يقول ” وهل يخفى الخبر ” في إشارة لفظية لمثل مشهور عندنا وهو ” هل يخفى القمر”.ومثال اَخر في أن يقول أحدهم “يلعن ديخك” بدلاً من الكفر المباشر في الدين تعويضاً عن حاله لايعرفها أحد غيره. أما أنا فلم أكن أقل منهم حرصاً إلا أنني عنيت ما قلت بالعقل عندما أجبت السؤال ب” كبري حذائك”.

في الحقيقة أصبح الحذاء في مجتمعاتنا ذو قيمة لا تقل عن باقي أعضاء الجسم كالدماغ مثلاً وذلك لكثرة استخدامه كتعويض قدراتي عن الدماغ وهناك من الأمثلة في ماضينا عدد لا يحصى ولا ستنفذ بدءاً من حذاء الطنبوري الشهير وحذاء خروتشوف إنتهاءاً بحذاء الادلبي الذي رشق حاقظ الأسد بفردة حذاءه والطبطبائي ومنتظر الزبدي ونحن حتى ولو نكرنا قيمة الحذاء في ماضينا فأننا لن نجرؤ على الإختباء وراء حاضرنا وننكر القيمة الفنية الثقافية الذي اكتسبها هذا الحذاء عبر التاريخ.

عبارة ” كبري حذائك” كانت بمثابة نصيحة تهكمية ليس للشخص المخاطب بل للشخص الذي لا يستطيع أن يدخل حذاء المتكلم ويتقبله على الرغم من ضيقه،بل بالأحرى كانت نصيحة للشخص المستمع كي يتعلم كيف يدخل في أصغر العقول عندما يستمع فقد تكون هنا أو هناك ولو معلومة صغيرة مختبئة في إحدى زواياه أي ” الحذاء” الذي لا يقل قيمة – في رأيي- عن الدماغ.

هناك الكثير من الأحذية التي لا نرغب بارتداءها حتى ولو كانت جميلة لأنها قد تكون جميلة فقط للنظر إليها وليس لارتداءها ومن منا لم يواجه هذه المعضلة مع حذاء من قبل؟ لهذا اعتقد أن قياس الحذاء ليس بأهمية الذوق العام الذي لا يستطيع أي حذاء اكتسابه بدون إذن مسبق…

nedaa.elias[at]gmail.com